الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: مطالب أولي النهى في شرح غاية المنتهى
.(فَصْلٌ): [تحريمُ الفرار من الزحفِ]: قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ قِتَالَ دَفْعٍ أَوْ طَلَبٍ، فَالْأَوَّلُ: أَنْ يَكُونَ الْعَدُوُّ كَثِيرًا لَا يُطِيقُهُمْ الْمُسْلِمُونَ، وَيَخَافُونَ أَنَّهُمْ إنْ انْصَرَفُوا عَنْهُمْ عَطَفُوا عَلَى مَنْ تَخَلَّفَ مِنْ الْمُسْلِمِينَ، فَهُنَا صَرَّحَ الْأَصْحَابُ بِوُجُوبِ بَذْلِ مُهَجِهِمْ فِي الدَّفْعِ حَتَّى يُسْلِمُوا، وَمِثْلُهُ لَوْ هَجَمَ عَدُوٌّ عَلَى بِلَادِ الْمُسْلِمِينَ، وَالْمُقَاتِلَةُ أَقَلُّ مِنْ النِّصْفِ، لَكِنْ إنْ انْصَرَفُوا اسْتَوْلُوا عَلَى الْحَرِيمِ، وَالثَّانِي: لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ بَعْدَ الْمُصَافَّةِ أَوْ قَبْلَهَا، فَقَبْلَهَا يَجُوزُ، وَبَعْدَهَا حِينَ الشُّرُوعِ فِي الْقِتَالِ لَا يَجُوزُ الْإِدْبَارُ مُطْلَقًا إلَّا لِتَحَرُّفٍ أَوْ تَحَيُّزٍ (إلَّا مُتَحَرِّفِينَ لِقِتَالٍ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إلَّا مُتَحَرِّفًا لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزًا إلَى فِئَةٍ فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِنْ اللَّهِ} مِثَالُ التَّحَرُّفِ لِلْقِتَالِ: (كَانْحِيَازٍ مِنْ ضِيقٍ أَوْ) مِنْ (مَعْطَشَةٍ لِسِعَةٍ أَوْ مَاءٍ أَوْ مِنْ نُزُولٍ لِعُلُوٍّ، أَوْ عَنْ اسْتِقْبَالِ شَمْسٍ أَوْ) اسْتِقْبَالِ (رِيحٍ) لَا اسْتِدْبَارِهِمَا، (أَوْ يَفِرُّوا) بَيْنَ أَيْدِيهِمْ (ل) أَجْلِ (مَكِيدَةٍ) كَانْتِقَاضِ صَفِّهِمْ، أَوْ انْفِرَادِ خَيْلِهِمْ عَنْ رِجَالِهِمْ، أَوْ لِيَجِدُوا فُرْصَةً (بِعَدُوِّهِمْ) فَيَنْتَهِزُوهَا، أَوْ لِيَسْتَنِدُوا إلَى جَبَلٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا جَرَتْ بِهِ عَادَةُ أَهْلِ الْحَرْبِ، قَالَ عُمَرُ: يَا سَارِيَةَ الْجَبَلِ، فَانْحَازُوا إلَيْهِ، وَانْتَصَرُوا عَلَى عَدُوِّهِمْ، (أَوْ مُتَحَيِّزِينَ إلَى فِئَةٍ) نَاصِرَةٍ تُقَاتِلُ مَعَهُمْ (وَإِنْ بَعُدَتْ)، لِعُمُومِ قَوْله تَعَالَى: {أَوْ مُتَحَيِّزًا إلَى فِئَةٍ} (قَالَ الْقَاضِي) أَبُو يَعْلَى: (لَوْ كَانَتْ الْفِئَةُ بِخُرَاسَانَ، وَالزَّحْفُ بِالْحِجَازِ جَازَ التَّحَيُّزُ إلَيْهَا)، لِحَدِيثِ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إنِّي فِئَةٌ لَكُمْ» وَكَانُوا بِمَكَانٍ بَعِيدٍ، وَقَالَ عُمَرُ: أَنَا فِئَةٌ لِكُلِّ مُسْلِمٍ. وَكَانَ بِالْمَدِينَةِ، وَجُيُوشُهُ بِالشَّامِ وَالْعِرَاقِ وَخُرَاسَانَ، رَوَاهُمَا سَعِيدٌ. (وَإِنْ زَادُوا) عَلَى مِثْلَيْهِمْ (فَلَهُمْ الْفِرَارُ) قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: «لَمَّا نَزَلَتْ {إنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ} شَقَّ ذَلِكَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ حِينَ فَرَضَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ أَنْ لَا يَفِرَّ وَاحِدٌ مِنْ عَشْرَةٍ، ثُمَّ جَاءَ التَّخْفِيفُ، فَقَالَ: {الْآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ} الْآيَةُ، فَلَمَّا خَفَّفَ عَنْهُمْ مِنْ الْعَدُوِّ نَقَصَ مِنْ الصَّبْرِ بِقَدْرِ مَا خَفَّفَ مِنْ الْقَدْرِ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ يَجُوزُ لَهُمْ الْفِرَارُ مَعَ أَدْنَى زِيَادَةٍ، (وَهُوَ)، أَيْ: الْفِرَارُ، (مَعَ ظَنِّ تَلَفٍ أَوْلَى) مِنْ الثَّبَاتِ. (وَسُنَّ ثَبَاتٌ مَعَ عَدَمِ ظَنِّ تَلَفٍ) لِإِعْلَاءِ كَلِمَةِ اللَّهِ، وَلَمْ يَجِبْ، لِأَنَّهُمْ لَا يَأْمَنُونَ الْعَطَبَ، (وَ) سُنَّ (الْقِتَالُ مَعَ ظَنِّهِ)، أَيْ: التَّلَفِ (فِيهِمَا)، أَيْ: الْفِرَارِ وَالثَّبَاتِ (أَوْلَى مِنْ الْفِرَارِ وَالْأَسْرِ، قَالَ) الْإِمَامُ (أَحْمَدُ): مَا يُعْجِبُنِي أَنْ يُسْتَأْسَرُوا وَقَالَ: (يُقَاتِلُ أَحَبُّ إلَيَّ، الْأَسْرُ شَدِيدٌ، وَلَا بُدَّ مِنْ الْمَوْتِ)، وَقَالَ: يُقَاتِلُ، وَلَوْ أَعْطُوهُ الْأَمَانَ قَدْ لَا يَفُوا، وَإِنْ اسْتَأْسَرُوا جَازَ، قَالَ فِي الْبُلْغَةِ وَغَيْرِهَا: وَقَالَ عَمَّارٌ: مَنْ اسْتَأْسَرَ بَرِئَتْ مِنْهُ الذِّمَّةُ. (وَإِنْ وَقَعَ فِي مَرْكَبِهِمْ)، أَيْ: الْمُسْلِمِينَ، (نَارٌ) فَاشْتَعَلَتْ (فَعَلُوا مَا يَرَوْنَ فِيهِ السَّلَامَةَ)، لِأَنَّ حِفْظَ الرُّوحِ وَاجِبٌ، وَغَلَبَةُ الظَّنِّ كَالْيَقِينِ فِي أَكْثَرِ الْأَحْكَامِ فَهَاهُنَا كَذَلِكَ (مَنْ مُقَامٍ وَوُقُوعٍ بِمَاءٍ) لِيَتَخَلَّصُوا مِنْ النَّارِ (فَإِنْ شَكُّوا) فِيمَا فِيهِ السَّلَامَةُ (أَوْ تَيَقَّنُوا التَّلَفَ فِيهِمَا)، أَيْ: الْمُقَامِ وَالْوُقُوعِ فِي الْمَاءِ ظَنًّا مُتَسَاوِيًا، (أَوْ ظَنُّوا السَّلَامَةَ فِيهِمَا ظَنًّا مُتَسَاوِيًا، خُيِّرُوا) بَيْنَهُمَا لِعَدَمِ الْمُرَجَّحِ، قَالَ أَحْمَدُ: كَيْفَ شَاءَ صَنَعَ، قَالَ الْأَوْزَاعِيُّ: هُمَا مَوْتَتَانِ فَاخْتَرْ أَيْسَرَهُمَا انْتَهَى. وَهُمْ مُلْجَئُونَ إلَى الْإِلْقَاءِ، فَلَا يُنْسَبُ إلَيْهِمْ الْفِعْلُ بِوَجْهٍ، فَلَا يُقَالُ: أَلْقُوا بِأَنْفُسِهِمْ إلَى التَّهْلُكَةِ. (وَيَجُوزُ تَبْيِيتُ كُفَّارٍ)، وَهُوَ: كَبْسُهُمْ لَيْلًا، وَقَتْلُهُمْ وَهُمْ غَارُّونَ، (وَلَوْ قَتَلَ) فِي التَّبْيِيتِ (بِلَا قَصْدٍ مَنْ يَحْرُمُ قَتْلُهُ مِنْ نَحْوِ نِسَاءٍ) كَصَبِيٍّ وَمَجْنُونٍ وَشَيْخٍ فَانٍ، لِحَدِيثِ الصَّعْبِ بْنِ جَثَّامَةَ، قَالَ: «سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْأَلُ عَنْ دِيَارِ الْمُشْرِكِينَ يُبَيَّتُونَ فَيُصَابُ مِنْ نِسَائِهِمْ وَذَرَارِيّهِمْ، فَقَالَ: هُمْ مِنْهُمْ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، قَالَ أَحْمَدُ: أَمَّا أَنْ يَتَعَمَّدَ قَتْلَهُمْ فَلَا. (وَ) يَجُوزُ (رَمْيُهُمْ بِمَنْجَنِيقٍ) نَصًّا «لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَصَبَ الْمَنْجَنِيقَ عَلَى الطَّائِفِ» رَوَاه التِّرْمِذِيُّ مُرْسَلًا. وَنَصَبَهُ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ عَلَى الْإِسْكَنْدَرِيَّة، وَظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ جَوَازُهُ مَعَ الْحَاجَةِ وَغَيْرِهَا (وَ) يَجُوزُ رَمْيُهُمْ ب (نَارٍ وَبِنَحْوِ عَقَارِبَ) كَأَفَاعِي (وَتَدْخِينُهُمْ بِمَطَامِرَ) وَهِيَ الْحَفِيرَةُ فِي الْأَرْضِ، قَالَهُ فِي الْقَامُوسِ. (وَ) يَجُوزُ (قَطْعُ سَابِلَةٍ)، أَيْ: طَرِيقِهِمْ عَنْهُمْ، (وَ) قَطْعُ (مَاءٍ) عَنْهُمْ (وَفَتْحُهُ لِيُغْرِقَهُمْ، وَ) وَيَجُوزُ (هَدْمُ عَامِرِهِمْ)، وَإِنْ تَضَمَّنَ إتْلَافَ نَحْوَ نِسَاءٍ وَصِبْيَانٍ إذَا لَمْ يَقْصِدْهُمْ، لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى التَّبْيِيتِ. (وَ) يَجُوزُ (أَخْذُ شَهْدٍ بِحَيْثُ لَا يُتْرَكُ لِلنَّحْلِ) مِنْهُ (شَيْءٌ)، لِأَنَّهُ مِنْ الطَّعَامِ الْمُبَاحِ، وَهَلَاكُ النَّحْلِ بِأَخْذِ جَمِيعِهِ يَحْصُلُ ضِمْنًا لَا قَصْدًا، و(لَا) يَجُوزُ (حَرْقُهُ)، أَيْ: النَّحْلِ (أَوْ تَغْرِيقُهُ) بِالْمَاءِ، لِقَوْلِ الصِّدِّيقِ لِيَزِيدَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ حِينَ بَعَثَهُ أَمِيرًا عَلَى الْقِتَالِ بِالشَّامِ: وَلَا تُحَرِّقَنَّ نَحْلًا، وَلَا تُغْرِقَنَّهُ. (أَوْ عَقْرُ دَابَّةٍ) وَلَوْ لِغَيْرِ قِتَالٍ كَبَقَرٍ وَغَنَمٍ، فَلَا يَجُوزُ (إلَّا لِحَاجَةِ أَكْلٍ) سَوَاءٌ خِفْنَا أَخْذَهُمْ لَهَا أَوْ لَا، لِقَوْلِ الصِّدِّيقِ: إلَّا لِمَأْكَلَةٍ؛ وَلِأَنَّ الْحَاجَةَ تُبِيحُ مَالَ الْمَعْصُومِ، فَغَيْرُهُ أَوْلَى. (وَلَا) يَجُوزُ (إتْلَافُ شَجَرٍ أَوْ زَرْعٍ يَضُرُّ) إتْلَافُهُ (بِنَا إلَّا لِحَاجَةٍ، كَتَوْسِعَةِ طَرِيقٍ أَوْ اسْتِتَارِهِمْ بِهِ)، لِكَوْنِهِ قَرِيبًا مِنْ حُصُونِهِمْ يَمْنَعُ قِتَالَهُمْ (أَوْ فِعْلَهُمْ ذَلِكَ بِنَا لِيَنْتَهُوا، فَيُقْطَعُ) مِنْهُ وَيَنْزَجِرُوا، وَمَا تَضَرَّرَ الْمُسْلِمُونَ بِقَطْعِهِ مِنْ الشَّجَرِ وَالزَّرْعِ، لِكَوْنِهِمْ يَنْتَفِعُونَ بِبَقَائِهِ لِعَلَفِ دَوَابِّهِمْ أَوْ يَسْتَظِلُّونَ بِهِ أَوْ يَأْكُلُونَ مِنْ ثَمَرِهِ، أَوْ لَمْ تَجْرِ عَادَةٌ بَيْنَنَا وَبَيْنَ عَدُوِّنَا بِقَطْعِهِ، حَرُمَ قَطْعُهُ، لِمَا فِيهِ مِنْ الْإِضْرَارِ بِنَا، وَمَا عَدَا ذَلِكَ مِمَّا لَا ضَرَرَ فِيهِ بِالْمُسْلِمِينَ، وَلَا نَفْعَ سِوَى غَيْظِ الْكُفَّارِ، وَالْإِضْرَارِ بِهِمْ، فَيَجُوزُ إتْلَافُهُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَائِمَةً عَلَى أُصُولِهَا فَبِإِذْنِ اللَّهِ} وَفِيهَا يَقُولُ حَسَّانُ: وَهَانَ عَلَى سُرَاةِ بَنِي لُؤَيٍّ حَرِيقٌ بِالْبُوَيْرَةِ مُسْتَطِيرُ (وَحَرُمَ قَتْلُ صَبِيٍّ وَأُنْثَى وَخُنْثَى وَرَاهِبٍ وَشَيْخٍ فَانٍ وَزَمِنٍ وَأَعْمَى لَا رَأْيَ لَهُمْ، وَلَمْ يُقَاتِلُوا أَوْ يُحَرِّضُوا) عَلَى قِتَالٍ، هَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ، لِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ: «نُهِيَ عَنْ قَتْلِ النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْله تَعَالَى: {وَلَا تَعْتَدُوا} يَقُولُ: لَا تَقْتُلُوا النِّسَاءَ وَالصِّبْيَانَ، وَالشَّيْخَ الْكَبِيرَ وَأَوْصَى الصِّدِّيقُ يَزِيدَ حِينَ بَعَثَهُ إلَى الشَّامِ فَقَالَ: لَا تَقْتُلْ صَبِيًّا وَلَا امْرَأَةً وَلَا هَرِمًا وَعَنْ عُمَرَ أَنَّهُ وَصَّى سَلَمَةَ بْنَ قَيْسٍ بِنَحْوِهِ، رَوَاهُمَا سَعِيدٌ وَقَالَ الصِّدِّيقُ: وَسَتَمُرُّونَ عَلَى أَقْوَامٍ فِي مَوَاضِعَ لَهُمْ احْتَبَسُوا أَنْفُسَهُمْ فِيهَا، فَدَعُوهُمْ حَتَّى يُمِيتَهُمْ اللَّهُ عَلَى ضَلَالَتِهِمْ وَعُمُومُ قَوْله تَعَالَى: {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ} مَخْصُوصٌ بِمَا تَقَدَّمَ، وَالزَّمِنُ وَالْأَعْمَى لَيْسَا مِنْ أَهْلِ الْقِتَالِ، فَهُمَا كَالْمَرْأَةِ، فَإِنْ كَانَ لِأَحَدٍ مِنْهُمْ لَهُ رَأْيٌ فِي الْقِتَالِ جَازَ، «لِأَنَّ دُرَيْدَ بْنَ الصِّمَّةِ قُتِلَ يَوْمَ حُنَيْنٌ وَهُوَ شَيْخٌ فَانٍ كَانُوا قَدْ خَرَجُوا بِهِ مَعَهُمْ، لِيَسْتَعِينُوا بِرَأْيِهِ، فَلَمْ يُنْكِرْ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَتْلَهُ». وَلِأَنَّ الرَّأْيَ مِنْ أَعْظَمِ الْمُؤْنَةِ فِي الْحَرْبِ، وَرُبَّمَا كَانَ أَبْلَغَ مِنْ الْقِتَالِ، قَالَ الْمُتَنَبِّي: الرَّأْيُ قَبْلَ شَجَاعَةِ الشُّجْعَانِ هُوَ أَوَّلٌ وَهِيَ الْمَحَلُّ الثَّانِي فَإِذَا هُمَا اجْتَمَعَا لِنَفْسٍ حُرَّةٍ بَلَغَتْ مِنْ الْعَلْيَاءِ كُلَّ مَكَانِ وَلَرُبَّمَا طَعَنَ الْفَتَى أَقْرَانَهُ بِالرَّأْيِ قَبْلَ تَطَاعُنِ الْفُرْسَانِ وَكَذَا إنْ قَاتَلَ أَحَدٌ مِنْهُمْ، أَوْ حَرَّضَ عَلَيْهِ، لِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ: «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّ عَلَى امْرَأَةٍ مَقْتُولَةٍ يَوْمَ الْخَنْدَقِ، فَقَالَ: مَنْ قَتَلَ هَذِهِ؟ فَقَالَ رَجُلٌ: أَنَا، نَازَعَتْنِي قَائِمَ سَيْفِي فَسَكَتَ» (وَفِي الْمُغْنِي ) وَالشَّرْحِ: (وَعَبْدٌ وَفَلَّاحٌ) لَا يُقَاتَلُ، لِقَوْلِ عُمَرَ: اتَّقُوا اللَّهَ فِي الْفَلَّاحِينَ الَّذِينَ لَا يَنْصِبُونَ لَكُمْ الْحَرْبَ؛ وَلِأَنَّ الصَّحَابَةَ لَمْ يَقْتُلُوهُمْ حِينَ فَتَحُوا الْبِلَادَ، وَلِأَنَّهُمْ لَا يُقَاتِلُونَ، أَشْبَهُوا الشُّيُوخَ وَالرُّهْبَانَ. (وَإِنْ تُتُرِّسَ) بِالْبِنَاءِ لِلْمَجْهُولِ، أَيْ: تَتَرَّسَ الْمُقَاتِلُونَ (بِهِمْ)، أَيْ: بِمَنْ ذُكِرَ مِمَّنْ لَا يُقْتَلُ (رُمُوا)، أَيْ: جَازَ رَمْيُهُمْ (بِقَصْدِ الْمُقَاتَلَةِ)، لِئَلَّا يُفْضِي تَرْكُهُ إلَى تَعْطِيلِ الْجِهَادِ، وَسَوَاءٌ كَانَتْ الْحَرْبُ مُلْتَحِمَةً أَوْ لَا، كَالتَّبْيِيتِ وَالرَّمْيِ بِالْمَنْجَنِيقِ. (وَإِنْ تَتَرَّسُوا بِمُسْلِمٍ لَا) يَجُوزُ رَمْيُهُ، لِأَنَّهُ يَئُولَ إلَى قَتْلِهِ مَعَ إمْكَانِ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِمْ بِغَيْرِهِ، (إلَّا إنْ خِيفَ عَلَيْنَا) بِتَرْكِ رَمْيِهِمْ، فَيُرْمَوْنَ نَصًّا لِلضَّرُورَةِ، (وَيُقْصَدُ الْكُفَّارُ) بِالرَّمْيِ دُونَ الْمُسْلِمِ، لِأَنَّهُمْ الْمَقْصُودُونَ بِالذَّاتِ، فَلَوْ لَمْ يُخَفْ عَلَيْنَا، لَكِنْ لَا نَقْدِرُ عَلَيْهِمْ إلَّا بِالرَّمْيِ لَمْ يَجُزْ رَمْيُهُمْ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {لَوْلَا رِجَالٌ مُؤْمِنُونَ وَنِسَاءٌ مُؤْمِنَاتٌ} قَالَ اللَّيْثُ: تَرْكُ فَتْحِ حِصْنٍ يُقْدَرُ عَلَى فَتْحِهِ أَفْضَلُ مِنْ قَتْلِ مُسْلِمٍ بِغَيْرِ حَقٍّ، (فَإِنْ قُتِلَ مُسْلِمٌ إذَنْ)، أَيْ: حِينَ تَتَرُّسِهِمْ بِهِ، (ف) عَلَى رَامِيهِ (الْكَفَّارَةُ) فِي مَالِهِ (فَقَطْ) وَلَا دِيَةَ عَلَيْهِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، قَالَهُ فِي الْإِنْصَافِ وَيَأْتِي فِي كِتَابِ الْجِنَايَاتِ فِي فَصْلِ الْخَطَأِ، وَصَرَّحَ فِي الْإِقْنَاعُ بِضَمَانِهِ بِالدِّيَةِ، وَكَانَ عَلَى الْمُصَنِّفِ أَنْ يَقُولَ خِلَافًا لَهُ. (وَتُرْمَى كَافِرَةٌ) وَقَفَتْ فِي صَفِّ كُفَّارٍ أَوْ عَلَى حُصُونِهِمْ و(شَتَمَتْ الْمُسْلِمِينَ، أَوْ تَكَشَّفَتْ لَهُمْ، وَ) يَجُوزُ أَنْ (يُنْظَرَ لِفَرْجِهَا لِحَاجَةِ رَمْيٍ)، ذَكَرَهُ فِي الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ، (ك) مَا يَجُوزُ رَمْيُهَا لَا (لِالْتِقَاطِ سِهَامٍ لَهُمْ وَسَقْيِهَا إيَّاهُمْ الْمَاءَ) كَاَلَّتِي تُحَرِّضُ عَلَى الْقِتَالِ (وَيَقْتُلُ الْمُسْلِمُ نَحْوَ ابْنِهِ وَأَبِيهِ فِي الْمُعْتَرَكِ)، قَالَهُ جَمَاعَةٌ لِأَنَّ أَبَا عُبَيْدَةَ قَتَلَ أَبَاهُ فِي الْجِهَادِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى {لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مِنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} الْآيَةُ. (وَيَجِبُ إتْلَافُ كُتُبِهِمْ الْمُبَدَّلَةِ) دَفْعًا لِضَرَرِهَا، وَقِيَاسُهُ كُتُبُ رَفْضٍ وَاعْتِزَالٍ، (وَعِبَارَةُ الْإِقْنَاعِ: وَيَجُوزُ) إتْلَافُ كُتُبِهِمْ الْمُبَدَّلَةِ، وَإِنْ أَمْكَنَ الِانْتِفَاعُ بِجُلُودِهَا وَوَرَقِهَا، أَيْ: فَيَجُوزُ (وَكُرِهَ نَقْلُ رَأْسِ) كَافِرٍ مِنْ بَلَدٍ إلَى بَلَدٍ آخَرَ بِلَا مَصْلَحَةٍ، لِمَا رَوَى عُقْبَةُ بْنُ عَامِرٍ أَنَّهُ قَدِمَ عَلَى أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ بِرَأْسِ بَنَانِ الْبِطْرِيقِ، فَأَنْكَرَ ذَلِكَ، فَقَالَ: يَا خَلِيفَةَ رَسُولِ اللَّهِ، فَإِنَّهُمْ يَفْعَلُونَ ذَلِكَ بِنَا، قَالَ: فَأَذِّنْ بِفَارِسَ وَالرُّومِ: لَا يُحْمَلُ إلَيَّ رَأْسٌ، فَإِنَّمَا يَكْفِي الْكِتَابُ وَالْخَبَرُ (وَ) كُرِهَ (رَمْيُهُ)، أَيْ: الرَّأْسِ (بِمَنْجَنِيقٍ بِلَا مَصْلَحَةٍ)، لِأَنَّهُ تَمْثِيلٌ، قَالَ أَحْمَدُ: وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُعَذِّبُوهُ، فَإِنْ كَانَ فِيهِ مَصْلَحَةٌ كَزِيَادَةٍ فِي الْجِهَادِ، أَوْ نَكَالٍ لَهُمْ أَوْ زَجْرٍ عَنْ الْعُدْوَانِ جَازَ، لِأَنَّهُ مِنْ إقَامَةِ الْحُدُودِ، وَالْجِهَادِ الْمَشْرُوعِ، قَالَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ. (وَحَرُمَ أَخْذُ مَالٍ) مِنْ الْكُفَّارِ (لِنَدْفَعَهُ)، أَيْ: الرَّأْسَ (إلَيْهِمْ، لِأَنَّهُ مُعَاوَضَةٌ) عَلَى مَا لَيْسَ بِمَالٍ كَبَيْعِ الْكَلْبِ، (وَحَرُمَ تَعْذِيبٌ وَتَمْثِيلٌ بِهِمْ وَلَوْ مَثَّلُوا بِنَا)، لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «وَلَا تُعَذِّبُوا وَلَا تُمَثِّلُوا». .(فَصْلٌ): [أحكام الأسرى]: (وَ) الْمَسْبِيُّ (مَعَهُمَا)، أَيْ: أَبَوَيْهِ (عَلَى دِينِهِمَا) لِلْخَبَرِ، وَمِلْكُ السَّابِي لَهُمَا لَا يَمْنَعُ تَبَعِيَّتَهُ لِأَبَوَيْهِ فِي الدِّينِ، كَمَا لَوْ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ الْكَافِرَةُ فِي مِلْكِهِ مِنْ كَافِرٍ (وَمَسْبِيٌّ ذِمِّيٌّ) مِنْ أَوْلَادِ حَرْبِيِّينَ (يَتْبَعُهُ)، أَيْ: السَّابِي فِي دِينِهِ حَيْثُ يَتْبَعُ الْمُسْلِمَ قِيَاسًا عَلَيْهِ. (وَإِنْ أَسْلَمَ) أَحَدُ أَبَوَيْ غَيْرِ بَالِغٍ فَمُسْلِمٌ، (أَوْ مَاتَ) أَحَدُ أَبَوَيْ غَيْرِ بَالِغٍ بِدَارِنَا فَمُسْلِمٌ، (أَوْ عُدِمَ) بِلَا مَوْتٍ (أَحَدُ أَبَوَيْ غَيْرِ بَالِغٍ بِدَارِنَا وَلَوْ بِزِنَا ذِمِّيٍّ بِذِمِّيَّةٍ)، فَأَتَتْ بِوَلَدٍ بِدَارِنَا، فَمُسْلِمٌ نَصًّا، لِلْخَبَرِ السَّابِقِ، (أَوْ اشْتَبَهَ وَلَدُ مُسْلِمٍ بِوَلَدِ كَافِرٍ) فَمُسْلِمٌ كُلٌّ مِنْهُمَا، لِأَنَّ الْإِسْلَامَ يَعْلُو وَلَا يَقْرَعُ فِيمَا إذَا اشْتَبَهَ خَشْيَةَ أَنْ يَقَعَ وَلَدُ الْمُسْلِمِ لِلْكَافِرِ، (أَوْ بَلَغَ) وَلَدُ الْكَافِرِ (مَجْنُونًا مَعَ وُجُودِ أَبَوَيْهِ فَمُسْلِمٌ)، أَيْ: فَإِنَّهُ يُحْكَمُ بِإِسْلَامِهِ فِي الْحَالِ الَّذِي يُحْكَمُ فِيهِ بِإِسْلَامِ غَيْرِ الْبَالِغِ، كَإِسْلَامِ أَحَدِ أَبَوَيْهِ أَوْ مَوْتِهِ بِدَارِنَا كَمَا هُوَ صَرِيحُ الْكَافِي وَغَيْرِهِ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّ مَنْ بَلَغَ مَجْنُونًا مُسْلِمٌ مُطْلَقًا، وَإِلَّا لَمَا صَحَّ قَوْلُهُمْ فِيمَا سَبَقَ: أَنَّ الْمَسْبِيَّ الْمَجْنُونَ رَقِيقٌ بِالسَّبْيِ، وَقَوْلُهُمْ فِي بَابِ الذِّمَّةِ: لَا تُؤْخَذُ الْجِزْيَةُ مِنْ مَجْنُونٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ، وَلِأَنَّ الْمَجْنُونَ لَا يَزِيدُ عَلَى كَوْنِهِ صَغِيرًا، وَالصَّغِيرُ مَعَ وُجُودِ أَبَوَيْهِ مِثْلُهُمَا (فِي الْكُلِّ)، أَيْ: كُلِّ مَا تَقَدَّمَ مِنْ الصُّوَرِ، وَإِنْ بَلَغَ عَاقِلًا، ثُمَّ جُنَّ لَمْ يَتْبَعْ أَحَدَ أَبَوَيْهِ، لِزَوَالِ حُكْمِ التَّبَعِيَّةِ لِبُلُوغِهِ عَاقِلًا، فَلَا يَعُودُ (وَإِنْ بَلَغَ) مَنْ حُكِمَ بِإِسْلَامِهِ تَبَعًا لِأَحَدِ أَبَوَيْهِ أَوْ مَوْتِهِ بِدَارِنَا (عَاقِلًا مُمْسِكًا عَنْ إسْلَامٍ وَ) عَنْ (كُفْرٍ، قُتِلَ قَاتِلُهُ)، لِأَنَّهُ مُسْلِمٌ مَعْصُومٌ حُكْمًا، وَلَيْسَ الْمَعْنَى أَنْ يَكُونَ مُسْلِمًا مُطْلَقًا، بِدَلِيلِ قَوْلِهِمْ: وَيَرِثُ مِمَّا جَعَلْنَا مُسْلِمًا بِمَوْتِهِ حَتَّى وَلَوْ تُصَوِّرَ مَوْتُ أَبَوَيْهِ مَعًا لَوَرِثَهُمَا، إذْ الْحُكْمُ بِالْإِسْلَامِ يَعْقُبُ الْمَوْتَ، فَحَالُ الْمَوْتِ كَانَ عَلَى دِينِ مُوَرِّثِهِ، لَكِنَّ الْحَمْلَ لَا يَرِثُ أَبَاهُ إذَا مَاتَ بِدَارِنَا كَمَا يَأْتِي فِي مِيرَاثِ الْحَمْلِ. (وَفِي الْفُنُونِ فِيمَنْ وُلِدَ بِرَأْسَيْنِ، فَلَمَّا بَلَغَ نَطَقَ أَحَدُ الرَّأْسَيْنِ بِالْكُفْرِ وَ) نَطَقَ الرَّأْسُ (الْآخَرُ بِالْإِسْلَامِ)، قِيلَ: يُحْكَمُ بِإِسْلَامِهِ، وَقِيلَ: يُحْكَمُ بِكُفْرِهِ، وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ (إنْ تَقَدَّمَ) النُّطْقُ ب (الْإِسْلَامِ) عَلَى النُّطْقِ بِالْكُفْرِ، (فَمُرْتَدٌّ) تَجْرِي عَلَيْهِ أَحْكَامُ الْمُرْتَدِّينَ، لِوُجُودِ الْكُفْرِ مِنْهُ بَعْدَ الْإِسْلَامِ، وَإِنْ تَقَدَّمَ النُّطْقُ بِالْكُفْرِ عَلَى النُّطْقِ بِالْإِسْلَامِ، فَمُسْلِمٌ، (وَإِنْ نَطَقَا)، أَيْ: الرَّأْسَانِ (مَعًا)، أَيْ: فِي آنٍ وَاحِدٍ، (فَاحْتِمَالَانِ): أَحَدُهُمَا: يَكُونُ مُسْلِمًا، وَالثَّانِي: كَافِرًا، وَحَيْثُ لَا مُرَجِّحَ لِأَحَدِهِمَا فَيَتَعَارَضَانِ وَيَتَسَاقَطَانِ، وَيُحْكَمُ عَلَيْهِ بِالْكُفْرِ عَمَلًا بِالْأَصْلِ. (وَيَنْفَسِخُ نِكَاحُ زَوْجَةِ حَرْبِيٍّ بِسَبْيِ دُونِهِ)، أَيْ: دُونِ زَوْجِهَا، بِأَنْ سُبِيَتْ وَحْدَهَا، (وَتَحِلُّ لِسَابِيهَا) بَعْدَ اسْتِبْرَائِهَا، لِحَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، قَالَ: «أَصَبْنَا سَبَايَا يَوْمَ أَوْطَاسٍ، وَلَهُنَّ أَزْوَاجٌ فِي قَوْمِهِنَّ، فَذَكَرُوا ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَنَزَلَتْ: {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنْ النِّسَاءِ إلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ}» رَوَاه التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ. فَإِنْ كَانَتْ زَوْجَةُ مُسْلِمٍ أَوْ ذِمِّيٍّ، وَسُبِيَتْ، لَمْ يَنْفَسِخْ نِكَاحُهَا. وَ(لَا) يَنْفَسِخُ نِكَاحُ زَوْجَةِ حَرْبِيٍّ سُبِيَتْ (مَعَهُ وَلَوْ اُسْتُرِقَّا)، أَيْ: الزَّوْجَانِ بِأَنْ اخْتَارَ الْإِمَامُ اسْتِرْقَاقَهُمَا، لِأَنَّ الرِّقَّ لَا يَمْنَعُ ابْتِدَاءَ النِّكَاحِ، فَلَا يَقْطَعُ اسْتِدَامَتَهُ، وَسَوَاءٌ سَبَاهُمَا رَجُلٌ وَاحِدٌ أَوْ رَجُلَانِ مُجْتَمَعَيْنِ أَوْ (مُتَفَرِّقَيْنِ)، إذْ لَا يَحْرُمُ التَّفْرِيقُ بَيْنَهُمَا فِي قِسْمَةٍ وَلَا بَيْعٍ. (أَوْ)، أَيْ: وَلَا يَنْفَسِخُ نِكَاحُ حَرْبِيٍّ (سُبِيَ هُوَ)، أَيْ: الْحَرْبِيُّ (فَقَطْ)، أَيْ: دُونَ زَوْجَتِهِ، لِأَنَّهُ لَا نَصَّ فِيهِ، وَلَا يَقْتَضِيه قِيَاسٌ، (وَلَيْسَ بَيْعُ زَوْجَيْنِ أَوْ) بَيْعُ (أَحَدِهِمَا طَلَاقًا)، لِقِيَامِ الْمُشْتَرِي مَقَامَ الْبَائِعِ، وَكَذَا هِبَتُهُمَا أَوْ أَحَدِهِمَا وَنَحْوَهُ. (وَلَا يَصِحُّ بَيْعُ مُسْتَرَقٍّ مِنْهُمْ)، أَيْ: مِنْ سَبْيِ الْمُسْلِمِينَ. وَقَالَ الشَّرِيفُ أَبُو جَعْفَرٍ: لَا يَجُوزُ أَنْ يَشْتَرِيَ الْكَافِرُ الْعَبْدَ الَّذِي مَلَكَهُ الْمُسْلِمُ (لِكَافِرٍ) وَلَوْ كَانَ الْمُسْتَرَقُّ كَافِرًا نَصًّا، قَالَ: وَكَتَبَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ يَنْهَى عَنْهُ أُمَرَاءَ الْأَمْصَارِ، وَهَكَذَا حَكَى أَهْلُ الشَّامِ، وَلِأَنَّ فِيهِ تَفْوِيتًا لِلْإِسْلَامِ الَّذِي يُرْتَجَى مِنْهُ إذَا بَقِيَ مَعَ الْمُسْلِمِينَ، (وَلَا) تَصِحُّ (مُفَادَاتُهُ)، أَيْ: مَنْ اُسْتُرِقَّ مِنْ الْكُفَّارِ لِكَافِرٍ (بِمَالٍ)، لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى بَيْعِهِ لَهُ، (وَتَجُوزُ) مُفَادَاتُهُ (بِمُسْلِمٍ)، لِتَخْلِيصِ الْمُسْلِمِ مِنْ الْأَسَر. (وَلَا يُفَرَّقُ) بِنَحْوِ بَيْعٍ أَوْ هِبَةٍ (بَيْنَ ذَوِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ) كَأَبٍ وَابْنٍ، وَكَأَخَوَيْنِ وَكَعَمٍّ وَابْنِ أَخِيهِ، وَخَالٍ وَابْنِ أُخْتِهِ، وَلَوْ بَعْدَ بُلُوغٍ، لِحَدِيثِ: «مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ وَالِدَةٍ وَوَلَدِهَا فَرَّقَ اللَّهُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَحِبَّتِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ»، قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَسَنٌ غَرِيبٌ. وَعَنْ عَلِيٍّ قَالَ: «وَهَبَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غُلَامَيْنِ أَخَوَيْنِ، فَبَعَثَ أَحَدَهُمَا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَا فَعَلَ غُلَامُك؟ فَأَخْبَرْتُهُ، فَقَالَ: رُدَّهُ رُدَّهُ»، رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ، وَقَالَ: حَسَنٌ غَرِيبٌ؛ وَلِأَنَّ تَحْرِيمَ التَّفْرِيقِ بَيْنَ الْوَالِدَيْنِ لِمَا بَيْنَهُمَا مِنْ الرَّحِمِ الْمَحْرَمِ، فَقِسْ عَلَيْهِ التَّفْرِيقَ بَيْنَ كُلِّ ذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ، وَعُلِمَ مِنْهُ جَوَازُ التَّفْرِيقِ بَيْنَ ابْنَيْ عَمٍّ أَوْ ابْنَيْ خَالٍ، وَبَيْنَ أُمٍّ مِنْ رَضَاعٍ وَوَلَدِهَا مِنْهُ، وَأُخْتٍ مِنْ رَضَاعٍ وَأَخِيهَا، لِعَدَمِ النَّصِّ، وَلَا يَصِحُّ قِيَاسُهُمْ عَلَى الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ، لِعَدَمِ الْمُسَاوَاةِ وَلِأَنَّ قَرَابَةَ الرَّضَاعِ لَا تُوجِبُ عِتْقَ أَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ، وَلَا نَفَقَةً وَلَا مِيرَاثًا، فَأَشْبَهَتْ الصَّدَاقَةَ (إلَّا بِعِتْقٍ)، فَيَجُوزُ عِتْقُ وَالِدَةٍ دُونَ وَلَدِهَا، وَعَكْسُهُ وَنَحْوُهُ، (أَوْ افْتِدَاءُ أَسِيرٍ مُسْلِمٍ) بِكَافِرٍ مِنْ ذَوِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ، فَلَا يَحْرُمُ التَّفْرِيقُ إذَنْ، لِتَخْلِيصِ الْمُسْلِمِ مِنْ الْأَسْرِ، (أَوْ بَيْعٍ) وَنَحْوِهِ (فِيمَا إذَا مَلَكَ نَحْوَ أُخْتَيْنِ) كَامْرَأَةٍ وَعَمَّتِهَا وَخَالَتِهَا، فَإِذَا وَطِئَ إحْدَاهُمَا وَأَرَادَ وَطْءَ الْأُخْرَى، جَازَ لَهُ بَيْعُ الْمَوْطُوءَةِ، لِيَسْتَبِيحَ وَطْءَ الْأُخْرَى، لِأَنَّهُ مَحَلُّ حَاجَةٍ. (وَمَنْ اشْتَرَى مِنْهُمْ)، أَيْ: الْأَسْرَى (عَدَدًا) اثْنَيْنِ فَأَكْثَرَ (فِي عَقْدٍ يَظُنُّ أَنْ بَيْنَهُمْ)، أَيْ: الْمُشْتَرَيَيْنِ (أُخُوَّةً أَوْ نَحْوَهَا)، كَعُمُومَةٍ أَوَخُؤُولَةً، بَاعَهُمْ الْإِمَامُ بِدُونِ ثَمَنِ مِثْلِهِمْ أَنْ لَوْ فُرِّقُوا لِتَحْرِيمِ التَّفْرِيقِ، (فَتَبَيَّنَ عَدَمُهَا)، أَيْ: الْأُخُوَّةِ وَنَحْوِهَا، (رَدَّ إلَى الْمُقَسِّمِ) مِنْ الْمُشْتَرِي (الْفَضْلَ الَّذِي فِيهِ)، أَيْ: الْمَبِيعِ (بِالتَّفَرُّقِ)، لِبَيَانِ انْتِفَاءِ مَانِعِهِ، (وَلِكُلٍّ) مِنْ بَائِعٍ وَمُشْتَرٍ (الْفَسْخُ)، أَيْ: فَسْخُ الْبَيْعِ، فَإِنْ فَاتَ الْمَبِيعُ رَدَّ الْمُشْتَرِي الْفَضْلَ الْحَاصِلَ بِالتَّفْرِيقِ، وَيَرُدُّ إلَى الْمُقَسِّمِ إنْ كَانَ غَنِيمَةً، أَوْ إلَى الْبَائِعِ إذَا لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ. .(فَصْلٌ): [إِذَا حَصَرَ إمَامٌ أَوْ نَائِبُهُ حِصْنًا]: .(بَابٌ): [مَا يَلْزَمُ الْإِمَامَ أَوْ أَمِيرَهُ عِنْدَ سَيْرِهِ إلَى الْغَزْوِ فِي دَارِ الْحَرْبِ]: (وَ) يَلْزَمُ كُلَّ أَحَدٍ (أَنْ يَجْتَهِدَ)، أَيْ: يَبْذُلَ وُسْعَهُ (فِي ذَلِكَ)، أَيْ: فِي إخْلَاصِ النِّيَّةِ لِلَّهِ فِي الطَّاعَاتِ، لِأَنَّ الْوَاجِبَ لَا يَتِمُّ إلَّا بِهِ (وَسُنَّ أَنْ يَدْعُوَ) الْأَمِيرُ (سِرًّا) مَعَ حُضُورِ الْقَلْبِ لِيَكُونَ أَقْرَبَ لِلْإِجَابَةِ (وَ) مِنْ دُعَائِهِ مَا (كَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُهُ إذَا غَزَا)، وَهُوَ: ( «اللَّهُمَّ أَنْتَ عَضُدِي وَنَصِيرِي، بِك أَحُولُ، وَبِك أَصُولُ، وَبِك أُقَاتِلُ») رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ، وَقَالَ: حَسَنٌ غَرِيبٌ وَقَالَ ابْنُ الْأَنْبَارِيِّ: الْحَوْلُ مَعْنَاهُ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ: الْحِيلَةُ، يُقَالُ: مَا لِلرَّجُلِ حَوْلٌ، وَمَا لَهُ مَحَالَةٌ، قَالَ: وَمِنْهُ لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ، أَيْ: لَا حِيلَةَ فِي دَفْعِ سُوءٍ، وَلَا قُوَّةَ فِي دَرَكِ خَيْرٍ إلَّا بِاَللَّهِ وَفِيهِ وَجْهٌ آخَرُ، وَهُوَ أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ: الدَّفْعَ وَالْمَنْعَ مِنْ قَوْلِك: حَالَ بَيْنَ الشَّيْئَيْنِ إذَا مَنَعَ أَحَدَهُمَا عَنْ الْآخَرِ يَقُولُ: لَا أَمْنَعُ، وَلَا أَدْفَعُ إلَّا بِك. (وَفِي الْفُرُوعِ ) لِابْنِ مُفْلِحٍ: (وَكَانَ غَيْرُ وَاحِدٍ) مِمَّنْ ابْتَلَاهُمْ اللَّهُ بِالْمِحَنِ (مِنْهُمْ شَيْخُنَا) الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ ابْنُ تَيْمِيَّةَ (يَقُولُ هَذَا) الدُّعَاءَ (عِنْدَ قَصْدِ مَجْلِسِ عِلْمٍ) لِلْمُنَاظَرَةِ، فَلَا يَقُومُ إلَّا وَهُوَ ظَاهِرٌ عَلَى أَعْدَائِهِ. (وَ) يَجِبُ (عَلَى الْإِمَامِ عِنْدَ الْمَسِيرِ) بِالْجَيْشِ (تَعَاهُدُ رِجَالٍ وَخَيْلٍ)، أَيْ: رِجَالِ الْجَيْشِ وَخَيْلِهِمْ، لِأَنَّهُ مِنْ مَصَالِحِ الْغَزْوِ، (وَ) عَلَيْهِ (مَنْعُ غَيْرِ صَالِحٍ لِحَرْبٍ) مِنْ رِجَالٍ (وَخَيْلٍ كَضَعِيفٍ وَفَرَسٍ حَطِيمٍ) وَهُوَ الْكَسِيرُ، وَفَرَسٍ قَحْمٍ، وَهُوَ الْكَبِيرُ، وَضَرْعٍ وَهُوَ الصَّغِيرُ وَالْهَزِيلُ (وَعَلَيْهِ) مَنْعُ (مُخَذِّلٍ)، وَهُوَ الْمُفَنِّدُ لِلنَّاسِ عَنْ الْغَزْوِ، وَمُزَهِّدُهُمْ فِي الْقِتَالِ، وَالْخُرُوجِ إلَيْهِ كَقَائِلٍ: الْحَرُّ أَوْ الْبَرْدُ شَدِيدٌ، أَوْ الْمَشَقَّةُ شَدِيدَةٌ، أَوْ لَا تُؤْمَنُ هَزِيمَةُ الْجَيْشِ. (وَ) عَلَيْهِ مَنْعُ (مُرْجِفٍ) كَمَنْ يَقُولُ: هَلَكَتْ سَرِيَّةٌ الْمُسْلِمِينَ وَلَا لَهُمْ مَدَدٌ أَوْ طَاقَةٌ بِالْكُفَّارِ وَنَحْوُهُ، (وَ) عَلَيْهِ مَنْعُ (مُكَاتِبٍ) كُفَّارٍ (بِأَخْبَارِنَا)، لِيَدُلَّ الْعَدُوَّ عَلَى عَوْرَاتِنَا، (وَ) عَلَيْهِ مَنْعُ (مَعْرُوفٍ بِنِفَاقٍ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَإِنْ رَجَعَكَ اللَّهُ إلَى طَائِفَةٍ مِنْهُمْ فَاسْتَأْذَنُوك لِلْخُرُوجِ فَقُلْ لَنْ تَخْرُجُوا مَعِي أَبَدًا وَلَنْ تُقَاتِلُوا مَعِي عَدُوًّا} (وَ) عَلَيْهِ مَنْعُ (رَامٍ بَيْنَنَا) مَعْشَرَ الْمُسْلِمِينَ (بِفِتَنٍ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ مَا زَادُوكُمْ إلَّا خَبَالًا} الْآيَةُ. (وَ) عَلَيْهِ مَنْعُ (صَبِيٍّ) وَلَوْ مُمَيِّزًا، وَمَنْعُ مَجْنُونٍ، لِأَنَّ فِي دُخُولِهِمَا أَرْضَ الْعَدُوِّ تَعَرُّضًا لِلْهَلَاكِ مِنْ غَيْرِ فَائِدَةٍ (وَ) عَلَيْهِ مَنْعُ (نِسَاءٍ)، لِأَنَّهُنَّ لَسْنَ مِنْ أَهْلِ الْقِتَالِ، وَلَا يُؤْمَنُ ظَفَرُ الْعَدُوِّ بِهِنَّ، فَيَسْتَحِلُّونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ مِنْهُنَّ (إلَّا عَجُوزًا لِسَقْيِ) مَاءٍ (وَنَحْوِهِ)، كَمُعَالَجَةِ جَرْحَى، لِحَدِيثِ أَنَسٍ «كَان رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَغْزُو بِأُمِّ سُلَيْمٍ وَنِسْوَةٍ مَعَهَا مِنْ الْأَنْصَارِ يَسْقِينَ الْمَاءَ، وَيُعَالِجْنَ وَيُدَاوِينَ الْجَرْحَى» قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَسَنٌ صَحِيحٌ قَالَ جَمْعٌ: وَامْرَأَةُ الْأَمِيرِ لِحَاجَتِهِ إلَيْهَا لِفِعْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. (وَتَحْرُمُ اسْتِعَانَةٌ بِكَافِرٍ)، لِحَدِيثِ عَائِشَةَ: «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ إلَى بَدْرٍ فَتَبِعَهُ رَجُلٌ مِنْ الْمُشْرِكِينَ، فَقَالَ لَهُ: مُؤْمِنٌ بِاَللَّهِ وَرَسُولِهِ؟ قَالَ: لَا قَالَ: فَارْجِعْ فَلَنْ أَسْتَعِينَ بِمُشْرِكٍ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَلِأَنَّ الْكَافِرَ لَا يُؤْمَنُ مَكْرُهُ وَغَائِلَتُهُ لِخُبْثِ طَوِيَّتِهِ، وَالْحَرْبُ تَقْتَضِي الْمُنَاصَحَةَ، وَالْكَافِرُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِهَا (إلَّا لِضَرُورَةٍ)، لِحَدِيثِ الزُّهْرِيِّ «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْتَعَانَ بِنَاسٍ مِنْ الْمُشْرِكِينَ فِي حَرْبِهِ» رَوَاه سَعِيدٌ وَرُوِيَ أَيْضًا «أَنَّ صَفْوَانَ بْنَ أُمَيَّةَ شَهِدَ حُنَيْنًا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ» وَبِهَذَا حَصَلَ التَّوْفِيقُ بَيْنَ الْأَدِلَّةِ، وَالضَّرُورَةُ مِثْلُ كَوْنِ الْكُفَّارِ أَكْثَرَ عَدَدًا، أَوْ يُخَافُ مِنْهُمْ، وَحَيْثُ جَازَ اُشْتُرِطَ أَنْ يَكُونَ مَنْ يُسْتَعَانُ بِهِ حَسَنَ الرَّأْيِ فِي الْمُسْلِمِينَ، فَإِنْ كَانَ غَيْرَ مَأْمُونٍ لَمْ يَجُزْ كَالْمُرْجِفِ وَأَوْلَى. (وَ) تَحْرُمُ اسْتِعَانَةٌ (بِأَهْلِ الْأَهْوَاءِ فِي شَيْءٍ مِنْ أُمُورِ الْمُسْلِمِينَ كَعِمَالَةٍ وَجِبَايَةِ خَرَاجٍ) وَكِتَابَةٍ (وَقِسْمَةِ فَيْءٍ وَغَنِيمَةٍ، وَلَا يَكُونُ أَحَدُهُمْ بَوَّابًا وَلَا جَلَّادًا وَلَا جَهْبَذًا، وَهُوَ النَّقَّادُ الْخَبِيرُ) لِعَظِيمِ الضَّرَرِ، لِأَنَّهُمْ دُعَاةٌ. وَتُكْرَهُ الِاسْتِعَانَةُ بِأَهْلِ الذِّمَّةِ فِي ذَلِكَ نَصًّا، لِأَنَّهُمْ يَدْعُونَ إلَى أَدْيَانِهِمْ (وَتَحْرُمُ تَوْلِيَتُهُمْ)، أَيْ: الْكُفَّارِ وَأَهْلِ الْأَهْوَاءِ (الْوِلَايَاتِ مِنْ دَوَاوِينِ الْمُسْلِمِينَ، وَ) تَحْرُمُ (إعَانَتُهُمْ)، أَيْ: أَهْلِ الْأَهْوَاءِ، وَالْكُفَّارِ عَلَى عَدُوِّهِمْ مِنْ جِنْسِهِمْ، فَإِنْ كَانَ عَدُوُّهُمْ مِنَّا فَنَجْتَمِعُ عَلَى قِتَالِهِمْ، وَإِنْ كَانَ عَدُوُّ أَهْلِ الْأَهْوَاءِ كَافِرًا حَرْبِيًّا، فَلَا تَحْرُمُ إعَانَتُهُمْ عَلَيْهِ لِإِسْلَامِهِمْ (إلَّا خَوْفًا) مِنْ شَرِّهِمْ، (قَالَ الشَّيْخُ) تَقِيُّ الدِّينِ: (وَمَنْ تَوَلَّى مِنْهُمْ)، أَيْ: مِنْ الْكُفَّارِ (دِيوَانَ الْمُسْلِمِينَ انْتَقَضَ عَهْدُهُ) إنْ كَانَ. (وَسُنَّ خُرُوجُ جَيْشٍ يَوْمَ الْخَمِيسِ)، لِحَدِيثِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: «قَلَّمَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْرُجُ فِي سَفَرٍ إلَّا يَوْمَ الْخَمِيسِ» رَوَاه الْبُخَارِيُّ وَعَنْ صَخْرٍ الْغَامِدِيِّ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «اللَّهُمَّ بَارِكْ لِأُمَّتِي فِي بُكُورِهَا وكَانَ إذَا بَعَثَ سَرِيَّةً أَوْ جَيْشًا بَعَثَهُمْ أَوَّلَ النَّهَارِ» رَوَاه التِّرْمِذِيُّ. (وَيَسِير بِرِفْقٍ) بِحَيْثُ يَقْدِرُ عَلَيْهِ الضَّعِيفُ، وَلَا يَشُقُّ عَلَى الْقَوِيِّ، لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «أَمِيرُ الْقَوْمِ أَقْطَعُهُمْ»، أَيْ: أَقَلُّهُمْ سَيْرًا، وَلِئَلَّا يَنْقَطِعَ مِنْهُمْ أَحَدٌ، أَوْ يَشُقَّ عَلَيْهِمْ (إلَّا لِأَمْرٍ يَحْدُثُ)، فَيَجُوزُ، «لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَدَبَهُمْ فِي السَّيْرِ حِينَ بَلَغَهُ قَوْلُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيٍّ: {لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ}» لِتَشْتَغِلَ النَّاسُ عَنْ الْخَوْضِ فِيهِ (وَيُعِدُّ لَهُمْ)، أَيْ: لِلْجَيْشِ (الزَّادَ)، لِأَنَّهُ بِهِ قَوَامُهُمْ، (وَيُحَدِّثُهُمْ بِأَسْبَابِ النَّصْرِ)، فَيَقُولُ: أَنْتُمْ أَكْثَرُ عَدَدًا، وَأَشَدُّ أَبْدَانًا، وَأَقْوَى قُلُوبًا وَنَحْوُهُ، لِأَنَّهُ إعَانَةٌ لِلنُّفُوسِ عَلَى الْمُصَابَرَةِ، وَأَبْعَثُ لَهَا عَلَى الْقِتَالِ، (وَيُعَرِّفُ عَلَيْهِمْ الْعُرَفَاءَ)، فَيَجْعَلُ لِكُلِّ جَمَاعَةٍ مَنْ يَكُونُ كَالْمُقَدَّمِ عَلَيْهِمْ يَنْظُرُ فِي حَالِهِمْ، وَيَتَفَقَّدُهُمْ، لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «عَرَّفَ عَامَ خَيْبَرَ عَلَى كُلِّ عَشَرَةٍ عَرِيفًا»، وَوَرَدَ: الْعَرَافَةُ حَقٌّ لِأَنَّ فِيهَا مَصْلَحَةَ النَّاسِ، وَأَمَّا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «الْعُرَفَاءُ فِي النَّارِ» فَتَحْذِيرٌ لِلتَّعَرُّضِ لِلرِّيَاسَةِ، لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ الْفِتْنَةِ، وَلِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَقُمْ بِأَمْرِهَا اسْتَحَقَّ الْعُقُوبَةَ. (وَيَعْقِدُ لَهُمْ الْأَلْوِيَةَ الْبِيضَ، وَهِيَ: الْعِصَابَةُ تُعْقَدُ عَلَى قَنَاةٍ وَنَحْوِهَا)، قَالَ صَاحِبُ الْمَطَالِعِ: اللِّوَاءُ رَايَةٌ لَا يَحْمِلُهَا إلَّا صَاحِبُ جَيْشِ الْحَرْبِ، أَوْ صَاحِبُ دَعْوَةِ الْجَيْشِ. انْتَهَى. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: «كَانتْ رَايَةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَوْدَاءَ، وَلِوَاؤُهُ أَبْيَضُ» رَوَاه التِّرْمِذِيُّ وَعَنْ جَابِرٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «دَخَلَ مَكَّةَ وَلِوَاؤُهُ أَبْيَضُ» رَوَاه أَبُو دَاوُد وَظَاهِرُ الْمُقْنِعِ وَصَرَّحَ فِي الْمُحَرَّرِ أَنَّهَا تَكُونُ بِأَيِّ لَوْنٍ شَاءَ لِاخْتِلَافِ الرِّوَايَاتِ (وَ) يَعْقِدُ لَهُمْ (الرَّايَاتِ وَهِيَ: أَعْلَامٌ مُرَبَّعَةٌ وَيُغَايِرُ أَلْوَانَهَا، لِيَعْرِفَ كُلُّ قَوْمٍ رَايَتَهُمْ)، «لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلْعَبَّاسِ حِينَ أَسْلَمَ أَبُو سُفْيَانَ: احْبِسْهُ عَلَى الْوَادِي حَتَّى تَمُرَّ بِهِ جُنُودُ اللَّهِ فَيَرَاهَا، قَالَ: فَحَبَسْتُهُ حَيْثُ أَمَرَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَرَّتْ بِهِ الْقَبَائِلُ عَلَى رَايَاتِهَا» وَلِأَنَّ الْمَلَائِكَةَ إذَا نَزَلَتْ بِالنَّصْرِ نَزَلَتْ مُسَوَّمَةً بِهَا نَقَلَهُ حَنْبَلٌ. (وَيَجْعَلُ لِكُلِّ طَائِفَةٍ شِعَارًا يَتَدَاعَوْنَ بِهِ عِنْدَ الْحَرْبِ)، لِمَا رَوَى سَلَمَةُ بْنُ الْأَكْوَعِ، قَالَ: «غَزَوْنَا مَعَ أَبِي بَكْرٍ زَمَنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَانَ شِعَارُنَا أَمِتْ أَمِتْ» رَوَاه أَبُو دَاوُد وَقَدْ وَرَدَ أَيْضًا هُمْ لَا يُنْصَرُونَ وَلِأَنَّ الْإِنْسَانَ رُبَّمَا احْتَاجَ إلَى نُصْرَةِ صَاحِبِهِ، وَرُبَّمَا يَهْتَدِي بِهَا إذَا ضَلَّ، قَالَهُ فِي الشَّرْحِ، وَلِئَلَّا يَقَعَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ. (وَيَتَخَيَّرُ) الْإِمَامُ أَوْ الْأَمِيرُ لَهُمْ (الْمَنَازِلَ) كَالْخِصْبَةِ، لِأَنَّهَا أَرْفَقُ بِهِمْ. (وَيَحْفَظُ مَكَامِنَهَا) جَمْعُ مَكْمَنٍ، وَهُوَ الْمَكَانُ الَّذِي يَخْتَفِي فِيهِ الْعَدُوُّ (وَيَتَعَرَّفُ حَالَ الْعَدُوِّ بِبَعْثِ الْعُيُونِ) إلَيْهِ حَتَّى لَا يَخْفَى عَلَيْهِ أَمْرُهُ، فَيَتَحَرَّزُ مِنْهُ، وَيَتَمَكَّنُ مِنْ الْفُرْصَةِ فِيهِ. (وَيَمْنَعُ جَيْشَهُ مِنْ مُحَرَّمٍ) مِنْ فَسَادٍ وَمَعَاصٍ، (لِأَنَّهُ سَبَبُ الْخِذْلَانِ، وَ) يَمْنَعُهُمْ مِنْ (تَشَاغُلٍ بِتِجَارَةٍ مَانِعَةٍ مِنْ قِتَالٍ، وَيُعِدُّ الصَّابِرَ) فِي الْقِتَالِ (بِأَجْرٍ وَنَفَلٍ) تَرْغِيبًا لَهُ فِيهِ. (وَيُشَاوِرُ ذَا رَأْيٍ وَدِينٍ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ} , وَكَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَكْثَرَ النَّاسِ مُشَاوَرَةً لِأَصْحَابِهِ, وَيُسْتَحَبُّ لِلْأَمِيرِ حَمْلُ مَنْ أُصِيبَتْ فَرَسُهُ مِنْ الْجَيْشِ، وَلَا يَجِبُ نَصًّا، فَإِنْ خَافَ تَلَفَهُ، قَالَ الْقَاضِي: يَجِبُ عَلَيْهِ بَذْلُ فَضْلِ مَرْكُوبِهِ لِيَجِيءَ بِهِ صَاحِبُهُ. (وَيُخْفِي مِنْ أَمَرَهُ مَا أَمْكَنَ إخْفَاؤُهُ)، لِئَلَّا يَعْلَمَ عَدُوُّهُ بِهِ (وَإِذَا أَرَادَ غَزْوَةً وَرَّى بِغَيْرِهَا) اقْتِدَاءً بِفِعْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (لِأَنَّ «الْحَرْبَ خُدْعَةٌ») مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ مِنْ حَدِيث جَابِرٍ (وَيَصُفُّ جَيْشَهُ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {إنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا} الْآيَةُ، قَالَ الْوَاقِدِيُّ: «كَان النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُسَوِّي الصُّفُوفَ يَوْمَ بَدْرٍ». وَلِأَنَّ فِيهِ رَبْطَ الْجَيْشِ بَعْضِهِ بِبَعْضٍ، وَسَدًّا لِثُغُورِهِمْ فَيَصِيرُونَ كَالشَّيْءِ الْوَاحِدِ. (وَيَجْعَلُ فِي كُلِّ جَنَبَةٍ كُفُوًا)، لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: «كُنْت مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَجَعَلَ خَالِدًا عَلَى إحْدَى الْجَنَبَتَيْنِ، وَالزُّبَيْرَ عَلَى الْأُخْرَى، وَأَبَا عُبَيْدَةَ عَلَى السَّاقَةِ» وَلِأَنَّهُ أَحْوَطُ لِلْحَرْبِ، وَأَبْلَغُ فِي إرْهَابِ الْعَدُوِّ. (وَلَا يَمِيلُ) الْأَمِيرُ (مَعَ قَرِيبِهِ وَذِي مَذْهَبِهِ فَتَنْكَسِرُ قُلُوبُ غَيْرِهِمْ)، أَيْ: غَيْرِ الَّذِي مَالَ مَعَهُمْ (فَيَخْذُلُوهُ) عِنْدَ الْحَاجَةِ، وَلِأَنَّهُ يُفْسِدُ الْقُلُوبَ، وَيُشَتِّتُ الْكَلِمَةَ، (وَيُرَاعِي أَصْحَابَهُ، وَيَرْزُقُ كُلَّ وَاحِدٍ بِقَدْرِ حَاجَتِهِ) وَحَاجَةِ مَنْ مَعَهُ. (وَيَجُوزُ أَنَّ يَجْعَلَ) الْأَمِيرُ (جَعْلًا مَعْلُومًا) مِنْ مَالِ الْمُسْلِمِينَ، (وَيَجُوزُ) أَنْ يَجْعَلَ (مِنْ مَالِ كُفَّارٍ مَجْهُولًا لِمَنْ يَعْمَلُ مَا)، أَيْ: شَيْئًا (فِيهِ غَنَاءُ)، أَيْ: نَفْعٌ لِلْمُسْلِمِينَ كَنَقْبِ سُورٍ، أَوْ صُعُودِ حِصْنٍ، (أَوْ يَدُلُّ عَلَى طَرِيقٍ) سَهْلٍ، (أَوْ) عَلَى (قَلْعَةٍ) لِتُفْتَحَ، (أَوْ) عَلَى (مَاءِ) مَفَازَةٍ (وَنَحْوِهِ) كَدَلَالَةٍ عَلَى مَالٍ يَأْخُذُهُ الْمُسْلِمُونَ، أَوْ عَدُوٍّ يُغِيرُونَ عَلَيْهِ، أَوْ ثُغْرَةٍ يَدْخُلُ مِنْهَا إلَيْهِ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «قَدْ اسْتَأْجَرَ هُوَ وَأَبُو بَكْرٍ فِي الْهِجْرَةِ مَنْ دَلَّهُمْ عَلَى الطَّرِيقِ» وَ«جَعَلَ لِلسَّرِيَّةِ الثُّلُثَ وَالرُّبْعَ مِمَّا غَنِمُوهُ» وَهُوَ مَجْهُولٌ، لِأَنَّ الْغَنِيمَةَ كُلَّهَا مَجْهُولَةٌ، وَيَسْتَحِقُّهُ مَجْهُولٌ لَهُ بِفِعْلِ مَا جُوعِلَ عَلَيْهِ، (بِشَرْطِ أَنْ لَا يُجَاوِزَ) جَعْلُ مَجْهُولٍ مِنْ مَالِ كُفَّارٍ (ثُلُثَ الْغَنِيمَةِ بَعْدَ الْخُمُسِ)، لِأَنَّهُ لَمْ يُنْقَلْ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَعْلٌ أَكْثَرَ مِنْهُ (وَ) يَجُوزُ (أَنْ يُعْطِيَ) الْأَمِيرُ (ذَلِكَ بِلَا شَرْطٍ) لِمَنْ يَفْعَلُ مَا فِيهِ مَصْلَحَةٌ لِلْمُسْلِمِينَ، لِأَنَّهُ تَرْغِيبٌ فِي الْجِهَادِ. (وَلَوْ جَعَلَ) الْأَمِيرُ (لَهُ)، أَيْ: لِمَنْ يَفْعَلُ مَا فِيهِ مَصْلَحَةٌ لِلْمُسْلِمِينَ (جَارِيَةً) مُعَيَّنَةً عَلَى فَتْحِ الْحِصْنِ (مِنْهُمْ)، أَيْ: مِنْ الْكُفَّارِ بِالْحِصْنِ (فَمَاتَتْ) قَبْلَ فَتْحِ الْحِصْنِ، (فَلَا شَيْءَ لَهُ)، لِأَنَّ حَقَّهُ تَعَلَّقَ بِعَيْنِهَا وَقَدْ تَلِفَتْ بِغَيْرِ تَفْرِيطٍ، فَسَقَطَ حَقُّهُ مِنْهَا كَالْوَدِيعَةِ. (وَإِنْ أَسْلَمَتْ) الْجَارِيَةُ الَّتِي جُعِلَتْ لَهُ مِنْهُمْ (وَهِيَ أَمَةٌ أَخَذَهَا) إذَا كَانَ مُسْلِمًا لِأَنَّهُ أَمْكَنَ الْوَفَاءُ لَهُ بِشَرْطِهِ فَوَجَبَ، وَسَوَاءٌ أَسْلَمَتْ قَبْلَ الْفَتْحِ أَوْ بَعْدَهُ (كَحُرَّةٍ) جُعِلَتْ لَهُ ف (أَسْلَمَتْ بَعْدَ فَتْحٍ) لِاسْتِرْقَاقِهَا بِالِاسْتِيلَاءِ فَلَمْ تُسْلِمْ إلَّا وَهِيَ أَمَةٌ، وَكَذَا حُكْمُ رَجُلٍ مِنْ الْحِصْنِ جُوعِلَ عَلَيْهِ، (إلَّا أَنْ يَكُون) الْمَجْعُولُ لَهُ الْجَارِيَةُ (كَافِرًا، ف) لَهُ (قِيمَتُهَا) إذَا أَسْلَمَتْ، لِتَعَذُّرِ تَسْلِيمِهَا إلَيْهِ لِإِسْلَامِهَا (كَحُرَّةٍ) جُعِلَتْ لَهُ و(أَسْلَمَتْ قَبْلَ فَتْحٍ) لِأَنَّهَا عَصَمَتْ نَفْسَهَا بِإِسْلَامِهَا، فَتَعَذَّرَ رَدُّ فِعْلِهَا إلَيْهِ، فَاسْتَحَقَّتْ الْقِيمَةَ، كَمَا لَوْ أَتْلَفَ مَالَ غَيْرِهِ الَّذِي لَا مِثْلَ لَهُ، وَإِنَّمَا لَمْ تَجِبْ لَهُ الْقِيمَةُ إذَا مَاتَتْ وَتَجِبُ إذَا أَسْلَمَتْ، لِإِمْكَانِ تَسْلِيمِهَا مَعَ الْإِسْلَامِ، لَكِنْ مَنَعَ مِنْهُ الشَّرْعُ بِخِلَافِ مَوْتِهَا. (وَإِنْ فُتِحَتْ) قَلْعَةٌ جُوعِلَ مِنْهَا بِجَارِيَةٍ مِنْهُمْ (صُلْحًا وَلَمْ يَشْتَرِطُوهَا)، أَيْ: يَشْتَرِطْ الْمُسْلِمُونَ الْجَارِيَةَ عَلَى أَهْلِ الْقَلْعَةِ (وَأَبَوْهَا)، أَيْ: أَبَى أَهْلُ الْقَلْعَةِ الْجَارِيَةَ (وَأَبَى) مَجْعُولٌ لَهُ أَخْذُ (الْقِيمَةِ) عَنْهَا (فُسِخَ) الصُّلْحُ لِتَعَذُّرِ، إمْضَائِهِ لِسَبْقِ حَقِّ صَاحِبِ الْجَعْلِ، وَتَعَذُّرِ الْجَمْعِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الصُّلْحِ، وَلِأَهْلِ الْقَلْعَةِ تَحْصِينُهَا كَمَا كَانَتْ بِلَا زِيَادَةٍ، وَإِنْ بَذَلُوهَا مَجَّانًا لَزِمَ أَخْذُهَا وَدَفْعُهَا إلَيْهِ، قَالَ فِي الْفُرُوعِ: غَيْرُ حُرَّةِ الْأَصْلِ وَإِلَّا فَقِيمَتُهَا (وَلِأَمِيرٍ فِي بُدَاءَةِ) دُخُولِهِ دَارَ حَرْبٍ (أَنْ يَنْفُلَ)، أَيْ: يَزِيدَ عَلَى السَّهْمِ الْمُسْتَحَقِّ (الرُّبْعَ فَأَقَلَّ بَعْدَ الْخُمُسِ وَ) لَهُ أَنْ يَنْفُلَ (فِي رَجْعَةٍ)، أَيْ: رُجُوعٍ مِنْ دَارِ حَرْبٍ (الثُّلُثَ فَأَقَلَّ بَعْدَهُ)، أَيْ: الْخُمُسِ، (وَ) بَيَانُ (ذَلِكَ) أَنَّهُ (إذَا دَخَلَ) أَمِيرٌ دَارَ حَرْبٍ (بَعَثَ سَرِيَّةً تُغِيرُ) عَلَى الْعَدُوِّ، (وَإِذَا رَجَعَ) مِنْهَا (بَعَثَ) سَرِيَّةً (أُخْرَى) تُغِيرُ (فَمَا أَتَتْ بِهِ) كُلُّ سَرِيَّةٍ (أَخْرَجَ خُمُسَهُ، وَأَعْطَى السَّرِيَّةَ مَا وَجَبَ لَهَا بِجَعْلِهِ، وَقَسَّمَ الْبَاقِي) بَعْدَ الْخُمُسِ (فِي الْكُلِّ)، أَيْ: الْجَيْشِ وَسَرَايَاهُ، لِحَدِيثِ حَبِيبِ بْنِ سَلَمَةَ الْفِهْرِيِّ، قَالَ: «شَهِدْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَفَلَ الرُّبْعَ فِي الْمَبْدَأَةِ وَالثُّلُثَ فِي الرَّجْعَةِ» وَفِي لَفْظٍ: «كَان يَنْفُلُ الرُّبْعَ بَعْدَ الْخُمْسِ، وَالثُّلُثَ بَعْدَ الْخُمْسِ، إذْ أَقْفَلَ» رَوَاهمَا أَبُو دَاوُد، وَلِلتِّرْمِذِيِّ مَعْنَاهُ عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ مَرْفُوعًا، وَقَالَ: حَسَنٌ غَرِيبٌ وَزِيدَ فِي الرَّجْعَةِ عَلَى الْبُدَاءَةِ لِمَشَقَّتِهَا، لِأَنَّ الْجَيْشَ فِي الْبُدَاءَةِ رَدْءٌ عَنْ السَّرِيَّةِ، وَفِي الرَّجْعَةِ مُنْصَرِفٌ عَنْهَا، وَالْعَدُوُّ مُسْتَيْقِظٌ، وَلِأَنَّهُمْ مُشْتَاقُونَ إلَى أَهْلِيهِمْ، فَيَكُونُ أَكْثَرَ مَشَقَّةً، وَلَا يَعْدِلُ شَيْءٌ عِنْدَ أَحْمَدَ الْخُرُوجَ فِي السَّرِيَّةِ مَعَ غَلَبَةِ السَّلَامِ، لِأَنَّهُ أَنْكَى لِلْعَدُوِّ.
|